آية حمدان الأم التي استشهدت بتاريخ 20 أيلول 2024 وهي تحتضن طفلتها فاطمة، في ضربة مبنى القائم (عج) في الضاحية الجنوبية، التي استهدف فيها العدو الصهيوني قادة المقاومة الإسلامية ولم يأبه بالمدنيين القانطين هناك.
لم تتوقف آية عن الحلم بالعودة يومًا. لا أعرف بماذا كانت تفكّر لحظة عروجها، وماذا رأت في العالم الآخر حتى تخلّت عن هذا الحلم وحلّقت. جلّ ما أعرفه أنها كانت ملاكًا يعيش بيننا، عاشت حياة الشهداء، تأثرت بقصصهم، لاحقت أخبارهم، حتى التحقت بهم.
في إحدى المرات، كنتُ أحادثها عن القرية، وعن العودة، أرسلت لي تسجيلًا صوتيًّا تحكي فيه عن أمنيتها:
لم تستطع آية طوال فترة نزوحها ألا تذكر ميس الجبل، وألا تخطط لليوم الذي تعود فيه دون قيد أو شرط أو احتلال، ولم تتوقف يومًا عن انتظار وقف إطلاق النار فقط من أجل العودة، وفي إحدى أحاديثنا قالت لي في مقطع صوتيً:
عادت آية إلى ميس الجبل، لكن محملة على أكتاف أحبتها الذين انتظروا خروجها من تحت الردم 19 ساعة هي وطفلتها فاطمة التي لم تتم العامين، وثلاثة آخرين من عائلتها، عادوا ودفنوا في 22 أيلول 2024 أي قبل معركة أولي البأس بنهار واحد فقط، وقبل استشهاد الأمين العام لحزب الاله السيد حسن نصرالله بأسبوع واحد فقط، لُف نعش آية بعلم جمعية الكشافة الإمام المهدي (عج) ، وهي القائدة الكشفية في الجمعية، ثم دفنت هي وطفلتها في ضريح واحد، ولفت نعوش بقية الشهداء بالعلم اللبناني
بقيت آية مدفونة في ميس الجبل، دون بلاطة على ضريحها، دون زيارة، دفنت في روضة شهداء البلدة، وبعدها انتظار لعائلتها وصديقاتها للعودة إلى ميس، وزيارة قبرها، وإيناسها. فقد بدأت معركة أزلي البأس التي استمرت لمدة 66 يومًا وأعقبها احتلال اسرائيلي للبلدة شهرين آخرين
عزات قاروط، الشاب المكافح الذي سارع بعد العودة للقرية، إلى العمل، وجمع الحديد، وإزالة الركام، استهدفه العدو الاسرائيلي بصاروخين أمام منزله فأرداه شهيدًا
أمّا الشاب أسامة فرحات، الذي عمل في الدفاع المدني طوال فترة الحرب، داخل وخارج البلدة، عادَ إلى قريته، ليعيش فيها، وهذا هو الحق الطبيعي لأي إنسان في العالم. أوجعهم أسامة أنه عاد، فقط عاد، لذا كان استهدافه لمرتين، نجا من أولها، واستشهد بثانيها، واحدة من أوجه غطرسة العدو.
آخر ضحايا الاحتلال، الشاب محمد علي قاروط، والذي كان على رأسه عمله في بلدة شقراء الجنوبية، لم يحمل سلاحًا، ولم يشكل خطرًا على العدو، سوى أنه يعيد إعمار البيوت المهدمة، وهذا ما لا يريده الأخير